(بسط الجواب,بجواز قولنا,سبحان الملك الغلاب)



الحمد لله،

 والصلاة والسلام على رسول الله

وعلى آله وصحبه ومن والاه

وبعد،

فقد استشكل البعض قولي في كتابي "عقيدة الشعراوي من ملفوظاته":

(والآن حان وقت الجواب، ونستعين برب الأرباب وهازم الأحزاب، الملك القوي الغلاب، ولا حول ولا قوة إلا به) اهـ صـ29

وإنما كان استشكاله باعتبار أن الغلاب ليس من أسماء الله الحسنى، فأحببت أن أبسط الجواب لأزيل هذا الإشكال من ناحية ومن ناحية أخرى لتعم الفائدة فإن مبحث أسماء الله وصفاته من أشرف المباحث وأجلها فشرف العلم تابع لشرف المعلوم.

فأقول هناك فرق بين باب الأسماء والصفات وباب الإخبار عن الله عز وجل،

 قال ابن القيم رحمه الله:

" ويجب أن تعلم هنا أموراً:

أحدها: أن ما يدخل في باب الإخبار عنه –تعالى-أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته، كالشيء والموجود والقائم بنفسه، فإنه يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا،

.....

السابع: أن ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي، وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفا، كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه...." انتهى مختصراً من "بدائع الفوائد" (1/170).

وفي ضوء كلام ابن القيم رحمه الله السابق الذي قرر فيه معتقد السلف في هذا الباب نتأمل هذه الكلمة" الغلاب"

هل المقصود بها التسمية؟

أم الوصف؟

أم الإخبار؟

الحق أن الاحتمالات الثلاثة واردة ولكل منها حظ من النظر؛

1-أما التسمية:

فقد قال الشيخ الألباني –رحمه الله-في سلسلة الأحاديث الصحيحة:

عن البراء بن العازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِي فقيل يا رسول الله إن أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يهجوك فقام ابن رواحة فقال يا رسول الله ايذن لي فيه!

 فقال أنت الذي تقول ثبت الله . . . قال نعم قلت يا رسول الله

 فثبت الله ما أعطاك من حسن _ تثبيت موسى ونصرا مثل ما نصروا

 قال وأنت يفعل الله بك خيراً مثل ذلك.

 قال ثم وثب كعبٌ فقال يا رسول الله ايذن لي فيه!

 قال أنت الذي تقول همت . . . قال نعم،

 قلت يا رسول الله؛  

همَّت سخينةُ أن تُغالِبَ ربَّها _ فليُغلَبنَّ مُغالِبُ [الغلَّاب]

 قال أما إن الله لم ينس لك ذلك.

قال ثم قام حسان فقال يا رسول الله ايذن لي فيه!

 وأخرج لساناً له أسود فقال يا رسول الله ايذن لي إن شئت أفريت به المزاد. فقال.... الحديث.

وقال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، ثم قال الألباني-رحمه الله-:

كذا قالا وجابر هو ابن يزيد الجعفي وهو ضعيف لكن تابعه سماك بن حرب مرسلاً فيتقوى به. اهـ   من السلسلة الصحيحة رقم1970

قلت:

 فإذا صح هذا الحديث فالغلاب من أسمائه -عز وجل-كالقهار وزناً ومعنى.

 ولم لا وهو ثابتٌ في السنة الصحيحة،

 ومرادٌ به العلَمية حيث جاء معرفاً بالألف واللام وعلى صيغة المبالغة (الفعَّال)،

 ومشتملٌ على صفةٍ من صفات الكمال المطلق وهي صفة الغلبة والقهر.

2-وأما الوصفية:

  فالْغَلَبَةُ صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجلَّ بالكتاب والسنة؛

فالله غالب على أمره، ولا غالب له.

 الدليل من الكتاب:

1-  قوله تعالى: {كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}

                                                    [المجادلة: 21]

 2-قوله: {وَالله غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}

                                                          [يوسف: 21]

 الدليل من السنة:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

كان يقول: (لا إله إلا الله وحده، أعَزَّ جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده؛ فلا شيء بعده). رواه البخاري (4114).

والغلبة بمعنى القهر؛ كما في (القاموس)،

ومعنى: {لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}؛ أي: لأنتصرن أنا ورسلي.

{وَالله غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ}؛ قال السعدي: (أي: أمره تعالى نافذ؛ لا يبطله مبطل، ولا يغلبه مغالب). اهـ.

(غلب الأحزاب وحده)؛ أي: قهرهم وهزمهم وحده.

وقد عدَّ بعضُ العلماء (الغالب) من أسماء الله تعالى، وفيه نظر.اهـ من [صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة صـ265]

3-وأما الخبر به عن الله -عز وجل-:

 فالأمر في ذلك واسع كما سبق في كلام ابن القيم-رحمه الله-

ولا زال أهل العلم يصفون الله عز وجل ويخبرون عنه بهذه الصفة ومنهم شيوخ الإسلام ابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهما رحمه الله الجميع،

قال ابن القيم في الكافية الشافية المعروفة بنونية ابن القيم (2/ 218):

وَهُوَ الْقَدِير وَلَيْسَ يعجزه إذا ...  مَا رام شَيْئا قطّ ذُو سُلْطَان

وَهُوَ الْقوي لَهُ القوى جمعا تَعَالَى رب ذِي الأكوان والأزمان

 وَهُوَ الْغَنِيّ بِذَاتِهِ فغناه ذَا ...        تي لَهُ كالجود والاحسان

 وَهُوَ الْعَزِيز فَلَنْ يرام جنابه ... أَنى يرام جناب ذِي السُّلْطَان

وَهُوَ الْعَزِيز القاهر الغلابُ .... لم يغلبه شَيْء هَذِه صفتان

وَهُوَ الْعَزِيز بِقُوَّة هِيَ وَصفه ... فالعز حِينَئِذٍ ثَلَاث معَان

وَهِي الَّتِي كملت لَهُ سُبْحَانَهُ ... من كل وَجه عادم النُّقْصَان.

 وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: في رسالته الأصول الستة:

"من أعجب العجاب، وأكبر الآيات الدالة على قدرة الملك الغلاب ستةُ أصولٍ بينها الله تعالى بياناً واضحاً للعوام فوق ما يظن الظانون، ثم بعد هذا غلط فيها كثير من أذكياء العالم، وعقلاء بني آدم، إلا أقل القليل...."اهـ.

وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله-:

في المطلب الحميد في بيان مقاصد التوحيد (ص: 26)

".... فجرى بعد ذلك وقعات بينهم وبين المسلمين لا فائدة في الإطالة بذكرها والمقصود أن استيلاءهم على المدينة ومكة والطائف كان بأسباب قدرها الملك الغلاب فيريك عزته ويبدي لطفه والعبد في الغفلات عن ذا الشأن وفيها من العبر أن الله أبطل كيد العدو وحمى الحوزة وعافى المسلمين من شرهم وصار المسلمون يغزونهم فيما قرب من المدينة ومكة في نحو ثلاث سنين أو أربع فتوفى الله سعودا رحمه الله تعالى وهم غزاة... "اهـ.

وفي تفسير القرطبي (13/ 153)

وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمُبَرِّدُ: لَمَّا نَزَلَتْ:" وَالشُّعَراءُ" جَاءَ حَسَّانُ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَابْنُ رَوَاحَةَ يَبْكُونَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَهُوَ تَعَالَى يَعْلَمُ أَنَّا شُعَرَاءُ؟ فَقَالَ:" اقْرَءُوا مَا بَعْدَهَا" إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ"-الْآيَةَ-أَنْتُمْ" وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا" أَنْتُمْ" أَيْ بِالرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" انْتَصِرُوا وَلَا تَقُولُوا إِلَّا حَقًّا وَلَا تَذْكُرُوا الْآبَاءَ وَالْأُمَّهَاتِ" فَقَالَ حَسَّانُ لِأَبِي سُفْيَانَ:

هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ



وَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَتِي وَعِرْضِي ... لِعَرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ



أَتَشْتُمُهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ ... فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ



لِسَانِي صَارِمٌ لَا عَيْبَ فِيهِ ... وَبَحْرِي لَا تُكَدِّرُهُ الدِّلَاءُ

وَقَالَ كَعْبٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ فِي الشِّعْرِ مَا قَدْ عَلِمْتَ فَكَيْفَ تَرَى فِيهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ وَسَيْفِهِ وَلِسَانِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لِكَأَنَّ مَا تَرْمُونَهُمْ بِهِ نَضْحُ النَّبْلِ".

وَقَالَ كَعْبٌ:

جَاءَتْ سَخِينَةُ «1» كَي تُغَالِبَ رَبَّهَا ... وَلَيُغْلَبَنَّ مُغَالِبُ الْغَلَّابِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لَقَدْ مَدَحَكَ اللَّهُ يَا كَعْبُ فِي قَوْلِكَ هَذَا".

__________

(1). السخينة: طعام حار يتخذ من دقيق وسمن-وقيل من دقيق وتمر-أغلظ من الحساء وأرق من العصيدة، وكانت قريش تكثر من أكلها فعيرت بها حتى سموا سخينة.

وفي نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (4/ 261):

"ولما تم ذلك على هذه الوجوه الظاهرة التي أوجبت اليقين لكل منصف بأنهم مغلوبون وصل بها أمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو الحبيب العزيز بأن يصرح لهم بمضمون ذلك فقال: {قل للذين كفروا} أي من أهل زمانك جرياً على منهاج أولئك الذين أخذناهم {ستغلبون} كما غلبوا وإن كنتم ملأ الأرض لأنكم إنما تغالبون خالقكم وهو الغالب لكل شيء، وليُغلَبنّ مُغالبُ الغَلاّب"



وفي أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للعلامة الشنقيطي-رحمه الله- (5/ 262):

"أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ"

فَكَانَ دَفْعُهُ -جَلَّ وَعَلَا -لِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ أَهْلُهَا فِي طُغْيَانٍ شَدِيدٍ، يُحَاوِلُونَ إِلْحَاقَ الضَّرَرِ بِالْمُؤْمِنِينَ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَانَ التَّعْبِيرُ بِالْمُفَاعَلَةِ، فِي قَوْلِهِ: يُدَافِعُ، وَإِنْ كَانَ -جَلَّ وَعَلَا -قَادِرًا عَلَى إِهْلَاكِهِمْ، وَدَفْعِ شَرِّهِمْ عَنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:

زَعَمَتْ سَخِينَةُ أَنْ سَتَغْلِبُ رَبَّهَا                 وَلَيَغْلِبَنَّ مُغَالِبُ الْغُلَّابِ

                                                     وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.اهـ.

والخلاصة

أن قولي: "ونستعين برب الأرباب وهازم الأحزاب، الملك القوي الغلاب،"

لا يخرج عن التأصيل السابق بحال من الأحوال، لا سيما وأنا لا أقصد التسمية بل الوصف وهو ثابت بلا ريب،

 وكذلك الإخبار وهو واسع بلا شك،

ومنه ما اعتاده بعض أهل العلم حين يختم فتواه يقول: [والله الموفق]

وهو لا يقصد التسمية بل يقصد الإخبار عن الله-عز وجل-بأن التوفيق بيده.

وقولهم: والله المعين، والله موجود، والله هو المعبود كما في تفسير كلمة التوحيد نقول: لا معبود بحق إلا الله ولا نقصد التسمية بل الوصف

وهكذا،

وهذا ما انتهى إليه بحثي فإن كان صواباً فذلك الفضل من الله،

 وإن كان غير ذلك فمن نفسي والله ورسوله منه براء،

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه

وسلم تسليماً كثيراً والحمد لله رب العالمين،

وكانت بدايته والفراغ منه ليلة السبت 11-10-2014م

_____________________

(بسط الجواب,بجواز قولنا,سبحان الملك الغلاب)
لفضيلة الشيخ /
أبي طارق / محمود بن محفوظ 

===========================
رابط تحميل الملف بصيغة الوورد
http://cutt.us/6L9AG)

شاركه على جوجل بلس

عن الكاتب العلوم الشرعية

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق